جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الجبهة الوطنية لتحرير مورو، نتناول في هذا المقال ظروف نشأة الجبهة على يد نور ميسواري وأهداف جبهة تحرير مورو ومبادئها وانشقاق سلامات هاشم
رغم كل الظروف القاسية التي تعرض لها المسلمون في الفلبين على يد النصرانية الكاثوليكية، فإن وعي المسلمين في الفلبين بانتمائهم الإسلامي كان يتزايد؛ فخلال العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م قاموا بتشكيل لجان للتطوع لمساعدة العرب في الحرب، وعندما قامت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني "جولدا مائير" بزيارة الفلبين في العام 1964م -كإحدى قيادات الماباي وقتها قبل سنوات من توليها الحكم في الكيان- احتجَّ المسلمون على هذه الزيارة، وقال أحد النواب المسلمين في البرلمان الفلبيني:" إذا لم تطرد الحكومة هذه السيدة فسنتولَّى طردها"، وقامت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد؛ مما جعل مائير تختصر زيارتها إليها إلى أقل من 24 ساعة[1].
نور ميسواري وتأسيس الجبهة الوطنية لتحرير مورو
تحت وطأة الظروف التي يتعرض لها المسلمون في الفلبين أسس نور مسواري الجبهة الوطنية لتحرير مورو سنة 1392هـ/1972م، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الفلبيني ماركوس الأحكام العرفية في الجنوب، وبدأ الصراع العسكري بين الحكومة والجبهة التي أعلنت أنها تسعى لانفصال الجنوب المسلم عن الشمال.
وقادت جبهة تحرير مورو مواجهات مسلحة ضد النظام الفلبيني، غير أن هذه المواجهات لم تسفر عن انتصارات حاسمة لأي منهما.
ومع تنامي قوة الجبهة وفي عام 1394هـ/ 1974م باتت أحد الوجوه المعروفة في الداخل والخارج، وكان "عبد الباقي أبو بكر" الأمين العام للعلاقات الخارجيَّة لها ممثلاً للجبهة في جميع المفاوضات والمؤتمرات الإسلاميَّة منذ انضمام الجبهة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كعضو مراقب دائم عام 1394هـ/ 1974م.
وأثار هذا الأمر حفيظة الحكومة الفلبينيَّة؛ فزاد الجيش الفلبيني من حشوده، وأعاد تنظيم قواته بعد أن سيطر الثوار المسلمون على مدينة جولو الإستراتيجيَّة في أكبر معركة دخلوها منذ الحرب العالميَّة الثانيَّة، وفي اجتماعهم الخامس طالب وزراء خارجيَّة الدول الإسلاميَّة الحكومة الفلبينيَّة بإيجاد حل سياسي وسلمي بالمفاوضات، والاعتراف رسميًّا بالجبهة الوطنيَّة للتحرير التي صارت جبهة تحرير مورو الإسلاميَّة في التسعينيات الماضيَّة.
وتحت ضغط العمل المسلح أُجبرَت الحكومة الفلبينيَّة على الدخول في مفاوضات مع الثوار المسلمين، وكانت أول جولة تفاوضيَّة بين الجانبين في يناير عام 1395هـ/ 1975م، وهي أول مفاوضات من نوعها، وقاد "نور ميسواري" و "سلامات هاشم" فريق الجبهة في المفاوضات مع الحكومة، والتي كانت في ذلك الوقت برعايَّة الوسيط الإندونيسي، الذي كان وسيطًا أمنيًّا بالأساس، وجاءت رعايته للمفاوضات بحكم الجوار[2].
اتفاق طرابلس بين الجبهة الوطنية لتحرير مورو والحكومة
فبدأ منذ عام (1396هـ/1976م) إجراء سلسلة من مفاوضات السلام بين الحكومة وقادة الجبهة الوطنية بوساطة ليبية أسفرت في النهاية عن توقيع (اتفاقية طرابلس) التي تنص على منح المسلمين حكماً ذاتياً، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ نظراً لمماطلة الحكومة الفلبينية كما تتهمها بذلك الأقلية المسلمة، وسرعان ما عادت الأمور إلى التوتر وعادت معها العمليات المسلحة بين الجانبين.
فقد اتضح أن ماركوس الخبيث لم يدخل المفاوضات إلا للاستعداد لهجوم كاسح جديد على المسلمين ضارباً بالعهود والمواثيق الدولية وارتكب الصليبيون أبشع المجازر إلا أن المسلمين ثبتوا في وجه الكفر وكبدوا العدو خسائر فادحة, ثم ذهب ماركوس لمزبلة التاريخ وعزله قومه ثم جاءت من بعده كوارزون أكينو ثم فيدل راموس القس الصليبي الذي عمل على تغيير التركيبة السكانية للمسلمين بتوطين النصارى من شمال البلاد إلى جنوبها حتى قل عدد المسلمين في منداناو إلى 50% بعد أن كانوا أغلبية كاسحة ولكن لم يفت ذلك في عضد مجاهدي جبهة مورو واستمروا في جهادهم ضد الصليبيين[3].
انشقاق الجبهة الوطنية لتحرير مورو
لم تستطع الجبهة الوطنية لتحرير مورو المحافظة على وحدتها بسبب تباعد الرؤى والتصورات حول أسلوب حل قضية المسلمين في جنوب الفلبين، فسلامات هاشم يرى أن الحل العسكري الأمثل عن طريق الجهاد؛ تمهيدا لإقامة دولة إسلامية في الجنوب، في حين يرى نور مسواري أن طريق المفاوضات في هذا الوقت ربما يكون أكثر فاعلية، من خلال الحصول على بعض المكاسب من الحكومة الفلبينية.
وزادت حدة الاختلاف عام (1396هـ/1976م) عقب توقيع (نور مسواري) –إثر اتفاق طرابلس، الذي ينص على منح المسلمين في الجنوب حكمًا ذاتيًا محدودًا، فانقسمت الجبهة في العام التالي 1397هـ/ 1977م، وظلت تعمل على الساحة بجناحيها المختلفين تحت نفس الاسم حتى عام (1984م)، وحينئذ أطلق سلامات هاشم على جناحه اسم (الجبهة الإسلامية لتحرير مورو).
الصلح بين الجبهتين
سقط (ماركوس) وغادر البلاد إلى أمريكا بتاريخ 1406هـ/ فبراير 1986م، ووصلت (كورازون أكينو) إلى الحكم، ولم يتغير وضع المسلمين رغم الوعود التي أطلقتها لهم، بل استمرت في أسلوب (ماركوس) المراوغ، وسياسة فرق تسد بإيجاد الصدع بين (جبهة تحرير مورو الإسلامية) بزعامة (سلامات هاشم)، و(جبهة تحرير مورو الوطنية) بزعامة (ميسواري).
ولا تزال منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي تبذلان جهدهما للإبقاء على وحدة الصف والتنسيق بينهما؛ حيث بدأت بوادر الشرخ بين الجبهتين تظهر بحدة.
فشل المباحثات والمفاوضات
وفي عهد الرئيسة كورازون أكينو فشلت المباحثات والمفاوضات بين الحكومة الفلبينية وبين الجبهة الوطنية لتحرير مورو وكذلك الجبهة الإسلامية؛ إذ يوجه حكومة (أكينو) مجلس الكنائس الفلبيني، الذي يعمل كبار قساوسته مستشارين لها، وهم من ألد أعداء الإسلام والمسلمين. وتخفي تلك الحكومة المواجهات المسلحة مع المسلمين، بينما تبرز الحركة الشيوعية وتنشر لها نشرات أكبر من حجمها، وتنسب إليها في بعض الأحيان العمليات الفدائية الجهادية، وذلك للفت نظر الدول الغربية والإسلامية، كما تلقى عدد من العلماء والأساتذة والدعاة في مورو الإسلامية رسائل بتوقيعات مستعارة بالتهديد بالقتل أو الاغتيال أو الخطف. ونفذت بعض التهديدات بالفعل، وثبت أن ذلك من عملاء شبكة المخابرات الفلبينية. وقد نشرت جريدة (المسلمون) صورًا حيّة للمذابح التي تديرها الجماعات المسلحة المعادية للإسلام في الفلبين؛ إذ أنهم يقتحمون البيوت المسلمة، ويطلقون رشاشاتهم على النساء والأطفال والشيوخ، ويفقأون عيون الرجال، ويبقرون بطون الأطفال، ويذبحونهم بالخناجر، ويفصلون الرؤوس عن الأجساد.
ولا يزال الجهاد الإسلامي يواجه الدوائر الثلاث: الجيش الصليبي الفلبيني الحكومي، والعناصر المتعصبة من المستوطنين الذين يدعمهم الجيش الفلبيني، والشيوعيين الذين يتظاهرون بالعطف مع المسلمين لينقضوا عليهم إذا سنحت الفرصة، فضلاً عن مراوغة الحكومة[4].
مجازر يتعرض لها المسلمون في الفلبين بعيدا عن الإعلام
ومما يؤسف له أن أجهزة الإعلام من إذاعات وصحف في بعض البلدان الإسلامية تتجاهل المجازر التي تقوم بها الحكومة الفلبينية بل أنها كانت تشيد بهذه الحكومة وتتحدث عن إصلاحات (ماركوس) وانجازاته. رغم ما تقوم به الدوريات السعودية من مجلات شهرية وأسبوعية وجرائد يومية بمعالجة هذه القضية وأبعادها كقضية إسلامية، وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من دور كبير في تنبيهها لهذه القضية ودعمها.
وقد قدمت (الفلبين) بين عامي (1392 – 1404هـ = 1972 – 1984م):
- 30 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
- استرقاق ستة آلاف مسلمة على أيدي الجنود الفلبينين.
- تشريد أكثر من مليوني مسلم.
- فرار حوالي 300 ألف نسمة واضطرارهم إلى الهجرة إلى البلاد المجاورة – ولاية صباح التابعة لماليزيا.
- إحراق 300 ألف منزل من بيوت المسلمين.
- تدمير مئة قرية ومدينة إسلامية.
- اغتصاب معظم أراضي المسلمين الخصبة.
- تدمير أكثر من 500 مسجد للمسلمين.
وقد أدت تلك العمليات الإرهابية والمحاولات المستمرة للقضاء على المسلمين بشن الحملات العسكرية إلى انتشار الفقر والجهل والأمراض بين المسلمين، مما جعلهم فريسة لحملات التبشير والشيوعية – وللمؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم ذلك بقيت شعلة الإيمان متوهجة؛ فالمجاهدون يسيطرون على جميع المناطق الإسلامية ما عدا بعض المدن. وسارعت بعض الدول العربية بتقديم المساعدات التعليمية للمسلمين في (الفلبين) فهناك حوالي 30 مدرساً من (الأزهر) ، وعدد كبير من المدرسين من (المملكة العربية السعودية) ، وتساهم (رابطة العالم الإسلامي) في ذلك.
وبقيت في المناطق الإسلامية مئات المدارس الابتدائية والمتوسطة وعشر مدارس ثانوية، وجامعة إسلامية تضم ست كليات تدار بالجهود الذاتية، وتحاول الحكومة جاهدة أن تضم هذه المؤسسات التعليمية إليها. ومن المؤسسات التعليمية: (معهد مندناو العربي الإسلامي) وتتبعه 316 مدرسة، و(معهد ماداواي الإسلامي) وتتبعه 52 مدرسة، و(كلية فكاسم) في مدينة مداراوي ويتبعها عدد من المعاهد وتقدم تعليما باللغة العربية، ويضاف إليها (جامعة الفلبين الإسلامية) وكانت تسمى معهد كامل الإسلامي، ولها فروع في عدة مدن.
وبالفلبين (مركز الملك فيصل للدراسات العربية الإسلامية)، ويوجد ضمن (جامعة مندناو)، وهناك (المدرسة التجريبية لتعليم اللغة العربية) التي تتبع (مركز الملك فيصل).
وعندما زار الدكتور (عبد الله نصيف) الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي جنوب (الفلبين) وزار (معهد أمين الشريف) استقبله عدد من المسئولين بينهم (السلطان إسماعيل لاود) مؤسس المعهد الذي يضم 70 طالباً وطالبة من المسلمين واستقبله المسلمون استقبالا حافلاً، وزار (معهد مندناو العربي) وحضر مجلس القرآن الكريم والحديث النبوي بقاعة المحاضرات بالجامعة ، وأعاد افتتاح (مسجد باب الرحمن) الذي بني في (الفلبين) قبل أربعمائة سنة ، ووجد في مدينة (دراكا) - 30 ألف مسلم - أربعة عشر مدرسة إسلامية و 25 مسجداً. ويقدر عدد مساجد الفلبين بحوالي 2500 مسجد.
هذا وقد سقط (ماركوس) وغادر البلاد إلى (أمريكا) بتاريخ (25 فبراير 1986م)، ووصلت (كورازون أكينو) إلى الحكم، ولم يتغير وضع المسلمين رغم الوعود التي أطلقتها لهم، بل استمرت في أسلوب (ماركوس) المراوغ، وسياسة فرق تسد بإيجاد الصدع بين (جبهة تحرير مورو الإسلامية) بزعامة (سلامات هاشم)، و(جبهة تحرير مورو الوطنية) بزعامة (ميسواري).
الخبث الصليبي
عندما شعرت الحكومة الصليبية في الفلبين بأن المواجهة المسلحة مع المسلمين غير مجدية لصلابة المسلمين في ميادين الجهاد شرعت في استخدام الخبث الصليبي المعهود فعملت على شق صف المسلمين، ففي 1417هـ/ يونيو 1996م عقد الرئيس الفلبيني راموس الصليبي مع نور ميسواري -زعيم الجبهة الوطنية لتحرير مورو - بوساطة إندونيسية معاهدة على أن يكون هو بمثابة الحاكم على منداناو شريطة التبعية للحكومة الصليبية في الفلبين وألا تطبق الشريعة، وتنص بنوده على إنشاء مجلس للسلام والتنمية في جنوب الفلبين يستمر لمدة ثلاث سنوات، يُجرى بعدها استفتاء شعبي في مقاطعات الجنوب تُخَّير فيه كل مقاطعة على حدة في الانضمام للحكم الذاتي الإسلامي، ودمج المليشيات العسكرية التابعة للجبهة الوطنية في جيش الفلبين المركزي.
وهللت وسائل الإعلام النصرانية لهذا الاتفاق الذي يتضمن عقد استفتاء بعد ثلاث سنوات في منداناو وسولو؛ لتحديد الاستقلال أم البقاء في ظل الحكومة الصليبية، ورفضت جبهة مجاهدي مورو بقيادة الشيخ المجاهد "سلامات هاشم" لعلمها بالدوافع الخبيثة لهذا الاتفاق وأصرت على مواصلة الجهاد، ولقد ظهرت حرات جهادية أخرى أمثال أبو سياف وإن كان عليها الكثير من الملاحظات, ومازالت الحرب دائرة بين مسلمي مورو والحكومة الفلبينية.
ومما يدعو للاعتبار والعظة حقاً أن الرجل الذي شق الصف المسلم في مورو المسلمة "نور ميسواري" ألقت الحكومة الفلبينية القبض عليه وأودعته سجونها تمهيداً لمحاكمته بتهمة إثارة الاضطرابات في مندتاو وهذه هي عاقبة الركون إلى الظالمين وشق صف المسلمين[5].
[1] أدهم صلاح الدين: ماليزيا والحل الإسلامي لمشكلة مسلمي الفلبين، موقع هدي الإسلام.
[3] المسلمون في الفلبين، مقال على موقع مفكرة الإسلام.
[4] المسلمون في الفلبين - موقع أرافيل.
[5] أدهم صلاح الدين: ماليزيا والحل الإسلامي لمشكلة مسلمي الفلبين - موقع هدي الإسلام.
مسلمو الفلبين.. بين الوعد والعدوان! - موقع مركز الدراسات الإسلامية.
التعليقات
إرسال تعليقك